قراءة في مراسيم الثامن من يونيو – محمد الأمين الفاظل
في الوقت الذي كان فيه الرأي العام منشغلا بتفشي فيروس كورونا، وبالحديث عن إمكانية إجراء تعديل وزاري، فإذا بالجميع يفاجأ بإصدار رئاسة الجمهورية لتسعة مراسيم متتالية تم بموجبها إحداث تغيير كبير على مستوى القيادات العسكرية. وإذا ما حاولنا أن نلخص أبرز رسائل هذا التعديل، فسيكون ذلك من خلال النقاط التالية:
1 ـ سرية التحضير لهذا التعديل، فلم يتسرب عنه أي شيء حتى تم الإعلان عنه رسميا.
2 ـ البعد الأخلاقي الذي كان حاضرا بقوة في هذه المراسيم، والذي يظهر بشكل جلي من خلال استثناء قيادتي الدرك والطيران من هذه التعديلات.
3 ـ ترقية بعض العسكريين الذين عرفوا تهميشا في عهد الرئيس السابق، ولتلك الترقيات رسائلها الخاصة الموجهة لأكثر من صندوق بريد.
4 ـ احترام الكفاءة، وخصوصا في أهم منصبين: قائد الجيوش ومساعده. فالأول هو الأقدم رتبة عسكرية في الجيش، والثاني هو من بين العسكريين الأكثر نزاهة و صرامة والأبعد عن الأضواء.
5 ـ غياب الإقالة العقابية من هذه المراسيم، فرغم أن هذه التعيينات قد نزلت بالبعض من رتبة أعلى إلى رتبة أدنى، إلا أنها لم تفصح عن أي إجراء عقابي واضح، وحده القائد السابق لأركان البحرية لم يتم تعيينه، والظاهر أن إقالته لم تكن إجراءً عقابيا، ولذا فمن المتوقع أن يتم تعيينه مستقبلا في منصب آخر.
6 ـ أثبتت هذه التعيينات أن رئيس الجمهورية يمسك ـ وبشكل كامل ـ بزمام الأمور. لم يرد الرئيس إثبات إمساكه للأمور من خلال هذا التعديل الواسع، وهو لا يرى بأنه بحاجة أصلا لإثبات ذلك من خلال تعديل أو من خلال أي تصرف آخر.ولكن، وعلى الرغم من كل ذلك، فإن هذا التعديل قد أثبت تلك الحقيقة لكل من لا يزال يراوده الشك في أن رئيس الجمهورية لا يتحكم ـ وبشكل كامل ـ في كل الأمور المتعلقة بالسلطة وبتسيير شؤون البلاد.
وإذا ما حاولنا أن نتعرف على النقاط الأبرز في طريقة إدارة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لشؤون البلاد، وهي نقاط ستزداد وضوحا في المستقبل. إذا ما حاولنا أن نتعرف على تلك النقاط من خلال هذا التعديل الأخير فسنجد الآتي:
1 ـ أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يدير الأمور بنوع من السرية، وأن له قدرة فائقة على حماية قراراته من التسريب من قبل إعلانها رسميا، وربما تكون الفترة التي تولى فيها قيادة الجيوش قد أكسبته تلك المهارة. لقد ظهرت قدرة الرئيس على تأمين وحماية قراراته من التسريب بشكل جلي في هذا التعديل، كما ظهرت من قبل ذلك في اختيار رئيس جديد لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، ومن خلال تعيين الوزير الأول الذي لم يظهر اسمه ضمن لائحة الأسماء العديدة التي كان يتم تداولها في المواقع وفي الصالونات خلال الأيام والساعات التي سبقت تعيين الوزير الأول الحالي .
2 ـ أنه يعتمد على التدرج في الإصلاح، ولذا فلا تنتظروا من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قرارات ثورية. هذا التعديل الأخير جاء برسائل إصلاحية واضحة، ولكنه بالتأكيد لم يشكل قطيعة ولا ثورة على ما كان قائما.
يُخَيَّل إليَّ أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يسعى إلى تحقيق إصلاح هادئ ومتدرج، وهو بذلك لن ينال رضا أولئك الذين لا يريدون إصلاحا، ولا أولئك الذين يريدون إصلاحا عاجلا أو ثوريا.
3 ـ أنه ليس ميالا إلى العقوبة، وقد يتعمد تجنب العقوبة قدر المستطاع، وتلك الصفة قد تظهر مستقبلا في بعض قراراته، ومن المؤكد بأنها ستجد نقدا قويا من معارضيه.
ومن قبل أن اختم هذه القراءة السريعة لمراسيم الثامن من يونيو، فأرجو أن تسمحوا لي بأن أتوقف قليلا مع المرسوم المتعلق بتعيين مدير جديد للأمن الوطني، ويعود هذا التوقف الخاص بهذا المرسوم لسببين اثنين:
أولهما : أن قطاع الأمن هو القطاع الأقرب إلى المدنيين، وهو الأكثر احتكاكا بهم، ولذلك فهو الأكثر حساسية والأكثر صعوبة من حيث الإدارة والتسيير.
ثانيهما: أني أعرف شخصيا المدير الجديد للأمن، وقد أتيحت لي عدة لقاءات معه، وكان جلها في إطار التحضير لأنشطة كان سينظمها “قدامى ثانوية لعيون” لصالح ثانويتهم، ومن المعروف بأن قائد الأمن الجديد هو من أبناء مدينة لعيون، وكان قد أكمل دراسته الثانوية في ثانوية لعيون.
يمكنني أن أقول ـ ومن خلال معرفتي بالمدير الجديد للأمن الوطني ـ بأن هذا المدير يمتلك كل المؤهلات التي يحتاجها للنهوض بهذا القطاع الحساس، وهو قادر على إدارة هذا القطاع الحساس بأسلوب جديد يختلف تماما عن كل تلك الأساليب القديمة، والتي لم تعد تتماشى مع العصر، ولا مع ثورة الاتصالات التي نعيشها اليوم.
لقد قُدِّر للمدير الجديد أن يُعين في وقت يتم فيه إيقاف عدد من المدونين من طرف الأمن دون أن يطلع الرأي العام على أسباب ذلك التوقيف. أتمنى أن يكون عهد المدير الجديد بداية لنهج جديد، يتم فيه احترام المساطر القانونية، وإنارة الرأي العام كلما استدعت الظروف توقيف مواطن، وخاصة إذا كان لذلك التوقيف علاقة ما بحرية الرأي والتعبير.
حفظ الله موريتانيا…